في مخيم من مخيمات فلسطين المُغتصبة, أرسلت الشمس أشعتها نحو خيمة الطفلة مرح. استيقظت مرح في ذلك الصباح قبل أمها على غير عادتها فقد كانت متحمسة للذهاب إلى المدرسة لتسلم نتائج مسابقة ألمبدع ألصغير. أيقظت مرح أمها لتودعها قبل ألذهاب إلى المدرسة ، فمن يعلم ربما تكون هذه المرة الأخيرة التي ترى فيها أمها ، فقبل ذلك اليوم عادت من المدرسة لترى والدها مقتولاً رمياً برصاص الجنود . قالت لأمها حين أيقظتها:" صباح الخير يا أمي, أنا ذاهبة إلى ألمدرسة". قالت ألأم:" صباح الخير عزيزتي لكن إلى أين فما زالَ الوقت مبكراً ". فأجابتها :" ما بك يا أمي؟! أنسيت أن اليوم هو يوم تسليم نتائج المسابقة علي أن أذهب مبكراً، إلى اللقاء". قبلتها أمها على جبينها وقالت لها:" إلى اللقاء يا عزيزتي اعتني بنفسكِ.
ركضت مرح مسرعةً نحو المدرسة رافعة يديها نحو ألسماء تدعو الله أن يوفقها وأن تحتل المرتبة الأولى. وفي تلك اللحظات كانت أمها ترفع يديها نحو السماء أيضا تدعو الله أن يوفق ابنتها. وصلت مرح المدرسة وجلست في مكانٍ جيد لحسن حظها.
بدأ المدير بإلقاء كلمته المملة والجميع يتثاءب وينتظرون لحظة إلقاء النتائج على أحر من الجمر رافعين أيديهم إلى السماء راجين الله أن تنتهي كلمة المدير بسرعة ، أنهى المدير كلامه متمنياً لكلٍ منهم النجاح وأتت لحظة ألنتائج. فبدأت دقات قلوب المشاركين تسرع ومرح وضعت يدها على خديها بتوتر وإذا بالمدير يقول المرتبة الأولى... المرتبة الأولى... لمرح.
في هذه اللحظة لم تعلم ماذا تفعل لتعبر عن مدى فرحها وسرورها، لكن البسمة التي ارتسمت على وجهها خير دليل على فرحا، توجهت مرح لتسلم الجائزة وهي تشكر الله وتفكر بردة فعل أمها عند سماعها لهذا الخبر المفرح.
عندما استلمت مرح جائزتها سُمِعَ صوت انفجار هز ساحة المدرسة جعل المدرسون يطلبون من الطلاب العودة لمنازلهم ليكونوا في هذه اللحظات المحرجة بين أهاليهم. عاد الجميع مسرعون نحو بيوتهم ، لكن مرح عندما وصلت إلى المخيم لم تجد أي خيمة في مكانها بل رأت آثار لبعض الخيام ذهلت مرح من هذا المشهد فأسقطت الجائزة وتحطمت ، لكن لم يكن يشغل بالها في تلك اللحظات سوى مكان أمها وهل ما زالت على قيد الحياة.
وصلت مرح إلى مكان وجود خيمتها والدخان الأسود يملأ وجهها كباقي الناس لكنها لم تجد سوى جسد أمها ألممزق إلى أشلاء كان هذا المشهد كالرعد في يوم صاف فجلست مرح على الأرض وبدأت تبكي وتنادي : أمي... أمي أين ذهبت يا أمي ، لقد جلبت في جعبتي لكِ خبرا جميل لقد فزت في المسابقة من أجلك يا أمي، هيا ابتسمي هيا لماذا لا تجيبين؟ أمي إن ذهبت من سيمسح دمعي إن بكيت، من سيدفئني إن شعرت بالبرد، من سيشاركني فرحتي إن ضحكت، من سيوقظني كل صباح بابتسامتها، من سيعوضني عن حضنك وحنانك؟؟؟!!!؟...
لكن كل هذا البكاء وهذه الصرخات الحزينة لم ولن تعيد لمرح أمها ألتي ذهبت بلا عودة، والسبب في ذلك وبل تأكيد هم اليهود الغاصبين الذين حرموا مرح من أمها بعد أن حرموها من أبيها ، ومرت ألأيام وبنت الدهر تلاحق فرح، لم تعد الأيام كما كانت فلم تعد قبلة أمها التي توقظها ولا حتى نور الشمس بل أصبح صوت الرصاص والطائرات الذي يوقظها، وأصبحت ترمي كل جندي تراه أمامها بأقرب حجرِ تراه عيناها، ومع مرور الأيام يزيد حقد فرح تحصر بقلبها الحزن والأسى.
وفي ذات يوم قررت أن تلقي القصيدة التي جعلتها تفوز بذلك اليوم الحزين ألتي أسمتها سماءنا بلا حمامة سلام وهي كالتالي:
سماءنا حزينة سماء أرض فلسطين
فحمامة السلام غادرتها قبل عدة سنين
سماءنا تبكي تروي عروق المجاهدين
تبكي وتصرخ ومالها سوى رب العالمين
والعالم صامت يؤدي دور المتفرجين
فحمامة السلام غاضبة فقد ملت من البكاء والأنين
غيومها ليست ماء بل دماء المقاتلين
لا تملك ماء لتروي الشجر الحزين
فمن أين غصن الزيتون لحمامة سماء فلسطين
نريد طفولة نريد سلاماً لتراب أرضنا الحزين
عودي يا حمامة عودي لتسعدي سماء فلسطين
ما أن أنهت فرح هذه الكلمات حتى اخترقت رصاصةً جسدها لتلحق والديها.
هذه هي نهاية الطفلة مرح فلم يكتف الجنود بتحطيم أحلامها بل وحطموا طفولتها.
لكن مرح ماتت شهيدة لتكون من طيور الجنة وتنضم لطيور فلسطين، أرض الصمود العزة.
ما أعظمك يا فلسطين.
كتابة:ولاء ابوفول...